مدونة قرية نخل جمال
مدونة قرية نخل جمال
زینة البلدان
مکتوب بتاريخ جمعه 27 بهمن 1391برچسب:, توسط ابوعوف |
نهر الحسنات

         عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" رواه مسلم (1).
تخريج الحديث : ـ
خرجه مسلم من رواية يحيى بن أبي كثير ؛ أن زيد بن سلام حدثه أن سلاما حدثه عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكر الحديث.
ترجمة الراوي : ـ
هو الحارث بن عاصم ، وعاصم هذا ليس صحابيا ، توفى الحارث في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة من الهجرة في خلافة عمر رضى الله عنه .
دروس وعبر من كلام سيد البشر
ـ
العقائدية : ـ
1ـ إذا كان الإيمان الذي هو التصديق ينحصر في شيئين أساسيين :
أ ـ التنزه عما لا ينبغي ( من كل منهي عنه شرعا ) .
ب ـ فعل ما ينبغي من جميع الواجبات .
فإن الطهور الذي هو لغة : التنزه عن الدنس الحسي والمعنوي إحدى هاتين الدعامتين ، وبالتالي فالطهور الشطر الأول للإيمان .
2ـ الإيمان بالله شجرة مباركة تؤتي أكلها ـ إن غرست في قلب طاهر نقي ـ ولا يمكن أبدا أن تثمر ولا أن تزهر إن هي زرعت في قلب متعفن نجس ، ومن ثم ففاتحة الدخول في هذا الدين ـ شهادة أن لا إله إلا الله ـ مركبة من نفي وإثبات "لا إله " يعبد في هذا الكون ، أو يهرع إليه ، ويطلب في السراء والضراء ـ إلا الله ـ ولأجل هذا عمل النبي صلى الله عليه وسلم طيلة إقامته بمكة على هدم هذه العقائدة الفاسدة ، وتنقية تلك القلوب من براثن الشرك بالله وعبادة الطواغيت قبل أن يفرض عليهم الفرائض ويسن السنن مثلما هو الشأن لدى الفلاح الذي ينقي أرضه من الأعشاب الضارة والحشائش السامة أو المعيقة للزرع ثم يعكف على زراعتها.
إذا فالشرك بالله قذارة ما كان لمؤمن أن يلطخ بها نفسه ، قال تعالى : {فاجتنبوا الرجس من الأوثان } [ الحج : 30].
3ـ الميزان ووزن الأعمال يوم القيامة من السمعيات التي يجب الإيمان بها وقد تاه في بيان حقيقة هذا الميزان ، وهيئته ، وسعته خلق كثير ـ سامحهم الله ـ من رجال علم التوحيد والمصنفين فيه ، والأجدر بنا وبهم أن نلفت الأنظار إلى ما يوزن ، قال تعالى : { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون } [المؤمنون:102]
وأن نقتفي أهل السنة في الاعتقاد بأنه حقيقة لا مراء فيها ـ أي الميزان ـ ونفوض معرفة كنهه إلى الله ـ عز وجل ـ قال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } [ الأنبياء : 47].
علم السلوك : ـ
" الصبر ضياء " .
فلا يزال المؤمن الصابر يستضئ بنور الحق ، فيسلك سبيل الهداية في عبادته ، ومعاملاته ، والصبر على ثلاثة :
على المصائب وحرارتها ، وعلى العبادة ومشاقها ، وعلى الشهوة ولذائذها ، إلا أن الأمة زمن انحطاطها الفكري وتدهورها الأخلاقي بابتعادها عن المنهج القويم ومجاهرة أمرائها وحكامها بالسكر والمجون . . . و . . . و . . . انقسمت في مواقفها أمام ذلك إلى ثلاث طوائف :
ـ ذهبت الأولى إلى محاربة الطغاة وتبكيتهم ، والوقوف أمام عبثهم وفجورهم مما أوتوا من قوة البطش والفتك غير مبالين بسيوفهم وجنودهم ، وهؤلاء هم زبدة الأمة الإسلامية آنذاك وخيرتها الذين علموا أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ، فجاهدوا وصبروا وصابروا حتى استشهدوا أو سجنوا أو عذبوا .
ـ وأما الثانية فقد استخفها الحكام الفجرة ، واستهوتهم شياطيهنم ، فانساقوا وراءهم ، وانصهروا في بوتقتهم ، فجرفهم تيارهم الفاسد ، وهم الأكثر .
ـ وأما الطائفة الثالثة فقد اختارت الانزواء جانبا والعيش على هامش الحياة مختلية بنفسها ـ وهذا أقل القليل الذي يجب أن نفعله أمام الظلم والفجور عند العجز ـ وفي كثير من هذه الفئة العلماء والجهابذة في فنون كثيرة من الثقافة الإسلامية.
غير أن المضحك المبكي في آن واحد هو الوسائل التي اتخذها هؤلاء أو بعضهم لمجاهدة أنفسهم كأن يعلق أحدهم نفسه ليلة كاملة في شجرة ، أو يمشي من غير انتعال على المسامير ، أو يجوع نفسه ويلبس الخشن من الثياب . . . إلخ، في حين أن الشارع ملئ بالابتلاءات والامتحانات التي تفرز المؤمن الصادق المجاهد من الفاسق المارق ، قال تعالى : { الم . أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } [ العنكبوت :1 ، 2 ] .
فهلا نزلوا من صوامعهم ، وصعدوا من خلواتهم ليقاسموا الأمة فيما تعانيه وليذودوا عن بيضة الدين ؟ ! وها هو سيد الوجود عليه الصلاة والسلام يشاهد في الغزوات ـ إذا حمى الوطيس ـ وهو أقرب الناس إلى العدو هنالك المحك .
الفقهية : ـ
"الطهور شطر الإيمان" .
1ـ يحرم على الجنب الطواف بالبيت الحرام ، والصلاة ، ومس المصحف ويحرم عليه وعلى الحائض الدخول إلى المسجد .
2ـ عبادة الأوثان رجس ؛ قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } [الحج : 30] .
وعبادها في حكم المتنجسين { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } [ التوبة :28] .
واختلف العلماء في معنى وصف المشرك بالنجس فقيل : لأنه جنب ، وقال ابن عباس وغيره : بل معنى الشرك هو الذي نجسه .
{ فلا يقربوا } نهى ؛ ولذلك حذفت منه النون { المسجد الحرام } هذا اللفظ يطلق على جميع الحرم ، وهو مذهب عطاء ، فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع ، فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول ، ولو دخل مشرك الحرم مستورا ومات نبش قبره وأخرجت عظامه . فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز (2).
الأخلاقية : ـ
" الصلاة نور" .
الصلاة نور وضاء تنير على صاحبها سبيل الرشاد ، وتهديه إلى الأخلاق الفاضلة والمبادئ القويمة بحيث تربي في المؤمن روح المراقبة والخوف من الله ، فلا يحرك المصلي ساكنه إلا ويتذكر موقفه الخطير أمام العليم الخبير وهو يناجيه {إياك نعبد وإياك نستعين } [ الفاتحة : 4]
قال تعالى : { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت :45] .
التربوية : ـ
" . . . الطهور شطر الإيمان . . . "
إن العبادات الإسلامية كلها ـ لا الصلاة وحدها ـ ليست هدفا في حد ذاتها ، أرادها الإسلام وحدها في تشريعه الخالد ، بل هي وسائل فحسب لتحقيق غاية سامية وهي : تزكية النفس وتربيتها وتقويمها والسمو بها من حضيض الحيوانية الأرضية إلى الصفاء الملائكي السماوي ، قال تعالى : { قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها } [ الشمس : 9 ، 10 ] .
كما بين الحق سبحانه مهمة الرسول الكريم في قوم أحيوا الرذيلة على جثمان الفضيلة ، واستنكروا المعروف ، وأمروا بالمنكر ، فقال عز وجل :
{ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [ الجمعة : 2] ، وقال سبحانه : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [ التوبة : 103] .
وتزكية النفس تنقيتها من شائبة الشرك الذي يورث نكران الجميل ، ومن الحقد تجاه أي إنسان كان ، ومن رذيلة الحسد ، والبغضاء ؛ لأن العبرة في إسلام المؤمن ، بل وفي إنسانية الإنسان كإنسان بغض النظر عن عقيدته وتدينه ليست في قماشه ولا في جلده ، أو شعره بل بدخيلته ، وقلبه الذي هو محط نظر الله عز وجل للحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم " من أجل هذا كله اعتبرت الطهارة النفسية النصف الأول للإيمان .
النفسية : ـ
" والحمد لله تملأ الميزان . . . وسبحان الله " .
يعيش الغرب ـ والمتغربون معه ـ في دوامة من القلق الروحي والاضطراب النفسي حيث لا قرار لهم ، ولا أمن بينهم ، ولا هناء أمامهم .
فكم من أرواح أزهقت انتحارا ، وكم من المهدئات ابتلعت مرارا . . . وكم وكم . . . وكم من زيجات فشلت . . . واطفال يتموا . . . وأموال أهدرت ، ودماء سفكت ضحية الفراغ الروحي الهائل والمرعب الذي يعانونه ، والدواء منهم ليس بالبعيد فلله در القائل :
كالعيس في البيداء يقتلها الظما 0 0 والماء فوق ظهورها محمول
ومبعث ذلك القلق هو جهل الملحد بنفسه وبمصيره ، ومستقبله وأصله وفصله ، فهو بين خراص يدعي أن أصل الإنسان قرد ثم تطور ، وأفاك يتبجح بالصدفة والذاتية . . . وهلم جرا . . . وهي تيارات عقيمة ضالة ومضلة لم تزد الحائرين إلا حيرة واضطرابا ، ولم يدر هذا المسكين أن في القرآن الكريم ضالته المنشودة ، وفي ذكر الله دواؤه الناجع ، ولذلك فإن المؤمن يعي كل ذلك ، ويعيش في أمن تام واستقرار كامل ، يذكر الله سبحانه : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب. الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب } [الرعد :28 ، 29].
يدرك أن أوله لا شئ ولكن كان بإذن الله ؛ ولذلك لا يحمل هم حياته ؛ لأن الذي خلقه من العدم هو الكفيل برعايته .
ويدرك أيضا أن مفرج الكرب هو الله وحده حتى وإن ضاقت به الأرض بما رحبت وتكدر صفو حياته ومع ذلك لن يفقده ثقته بربه مطلقا فيهرع إليه متمثلا بقوله سبحانه : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء :87]
وإذا فشل في تجارته أو قتر عليه رزقه فإنه لا يفكر إلا في الالتجاء إليه سبحانه ؛ لأنه الغني ولأنه الباسط . . . فلم الأرق . . ؟ ولم الانتحار . .؟ ولم الجنون ، قال تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } [ البقرة :45] ، تلك هي الراحة النفسية التي لن يكتسبها المرء بالأقراص ولا بالحقن المهدئة ، بل بذكر الله وهي التي يسعى العالم قاطبة لاكتسابها ، ولكن هيهات أن يدركها غير ذي اللسان الرطب بذكر الله .
وقد كان أهل الذكر ينعمون بها فقال قائلهم : ـ وكان رث الثياب أغبر الوجه ـ والله لو علم الأمراء بما نحن فيه لقاتلونا عليه فأنعم بذكر الله ؛ سواء أكان حمدا أو تسبيحا وتمجيدا ، أو هيللة وتوحيدا . من علاج نفساني رباني ناجح ، عن أنس رضى الله عنه : "ذكر الله شفاء القلوب" (3).
الحضارية : ـ
"والحمد لله تملأ الميزان" .
مراحل الحياة الثلاث : ( ضعف ، ثم شباب وفتوة ، ثم شيخوخة وترهل) سنة كونية لا تشذ عنها الحضارات هي الأخرى ، فهي تنطبق على أي كائن في هذا الكون من المخلوقات ، قال الله تعالى : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } [ الروم :54].
وليس هذا مبررا لإجهاض أي حضارة ، أو موتها في المهد ؛ لأن أعمار الحضارات تتفاوت تفاوت أعمار الأفراد ، فكما أن الإنسان المتعهد لصحته ، المراعي للقواعد المنصوح بها طبيا ، وذلك بأكل ما يصلح البدن ويقويه ، ويتعاطى نماذج رياضية معينة تساعده على تنشيط بدنه ، يستطيع أن يحتفظ بحيويته وشبابه أكثر من الذي يهمل كل هذا ، حيث يهوي للشيخوخة والترهل سراعا.
تماما مثلما يجب على بناة أي حضارة ، والمنظرين لقواعدها أن يراعوا ذلك فيهيئوا عناصر بقاء تلك الحضارة ، ويولوا اهتمامهم الأكبر للإمداد الطاقوي الذي يضمن استمرارية حضارتهم وديمومتها .
وتختلف فعالية تلك العناصر المسؤولة على بقاء الحضارة باختلاف مصادر الحضارات نفسها .
فالحضارات الأرضية التي مصدرها الفكر الإنساني لا غير كحضارة قرننا هذا تستمد من قوتها من طاقات أرضية ـ إنسان ، كهرباء ، فحم ، بترول ، معادن مختلفة ـ وهذه كلها إلى نفاذ وهلاك ، وذي أزمات طاقوية متعددة دليل معاصر على عدم بقائها ، ولست في حاجة إلى القول : إنها تحمل معاول هدمها بنفسها لتعزيز ما ذهبت إليه أولا .
وأما حضارة الإسلام فإنها الحضارة الوحيدة التي تستمد عناصر بقائها من خلود مصدرها الأساسي ، وهو الله عز وجل : { كل من عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } [ الرحمن :26 ، 27].
وتملك أيضا طاقات تجديدها عبر العصور ، بل ولديها ما تبعث به نفسها من جديد . فلقد كادت أن تنضوي حضارة صدر الإسلام بفعل العواصف التي هدت الساحة السياسية ، ولكن الأمة لم تفقد الأمل حتى قيض الله من يجدد هذا الدين ، ويزيح ما علق به من غبار ، ويظهر معالم حضارته المتجددة ؛ إنه الخليفة الخامس ـ كما يلقبه البعض ـ عمر بن عبد العزيز وذلك على رأس المائة الأولى ، وسخر للثانية من بين من سخرهم : العالم الجهبذ الإمام الشافعي ، وللخامسة حجة الإسلام أبو حامد الغزالي وغيره ، وتوالى المجددون في كل عصر ومصر ن وكانوا دوما يسعون إلى أن تتفادى الأمة مقوضات الحضارة ، ويجنبوها أخطار هذه الأدواء التي تهد كيانها وتأتي على أسها ومنها :
أولا : الإشراك بالله ـ عز وجل ـ الذي هو سرطان الحضارات : البابلية ، والآشورية ، والفرعونية ، والرومانية ، والفارسية ، ولا أخال حضارة الغرب اليوم تفلت من قبضته ، بل لا زال ينهشها حتى يرديها ، وتلك هي سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا قال تعالى : { واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا . كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا . وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا . ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا . وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا . قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا . لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا . ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا . فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا . أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا . وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا } [ الكهف :32ـ42].
ثانيا : موالاة الطواغيت من دون الله داء خطير هو الآخر ؛ لأنه قد يؤدي إلى الشرك بالله { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها . ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } [ محمد : 10، 11].
ثالثا : البطر والغرور معبر إلى الإشراك بالله ، قال تعالى حكاية عن المغتر بثروته الذي كان من قوم موسى : { قال إنما أوتيته على علم عندي ألو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا}[ القصص:78].
والبطر هو كفران النعمة والجحود بفضل الله الذي رتب بقاء نعمه على حمده { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} [النحل :112].
ومن حصاد الغرور عدم الالتفات إلى الفقراء والمساكين ومشاركتهم في الأموال والأقوات .قال تعالى في شأن أصحاب الجنة الذين تسببوا بمنعهم حقوق المعوزين في خراب جنتهم ودمار حائطهم الجميل : { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين . ولا يستثنون . فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون . فأصبحت كالصريم . فتنادوا مصبحين . أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين . فانطلقوا وهم يتخافتون . أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين . وغدوا على حرد قادرين . فلما رأوها قالوا إنا لضالون . بل نحن محرومون } [القلم: 17ـ27].
رابعا : ومن الأمراض المهلكة التي بليت بها كثير من الأمم والشعوب : عدم السير وفق المنهج الرباني القويم ، ويرجع سر البلية هذه إلى الاعتداد بالعقل وحده شأن الحضارة المعاصرة { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكير مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون } [ الروم :9 ، 10 ] ، { قال إنما أوتيته على علم عندي } [ القصص : 78] الآيات السابقة.
إذا استخلص لدينا أن الحمد هو سر بقاء الحضارات وازدهارها وامتداد آجالها قال عز من قائل : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ ابراهيم : 7] ، فاللهم لك الحمد حمدا يوافي ما تزايد من النعم ، والشكر لك على ما أوليتنا من الفضل والكرم.
الفلكية : ـ
لعله ليس من المصادفة أبدا أن تعبر بلاغة النبي الأمي عن حقيقة علمية دقيقة أثبتتها الأبحاث الفلكية بعد قرون عدة من وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث وصف الصلاة بالنور ، والصبر بالضياء فقال : " والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء " وهذا الوصف نفسه ـ الضياء والنور ـ ورد في قول الحق سبحانه : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } [ يونس:5] ، جعل الشمس ضياء لا نورا ؛ لأن أشعتها ذاتية ، فهي نار ملتهبة تمد بعض الكواكب السيارة الدائرة حولها والقريبة منها بالضوء فتعكس هذه الكواكب تلك الأشعة المتساقطة عليها ، وهذا ينطبق على القمر الذي يؤدي دور المرآه العاكسة لضوء الشمس .سس
وإنما كان الصبر ضياء ، والصلاة نورا ؛ لأن الصبر بالنسبة إليها كالأصل مع الفرع ، فلولا الصبر ما أقيمت الصلاة ، ولذلك قال ربنا : { واستعينوا بالصبر والصلاة } [ البقرة :45] ، { وإن تصبروا وتتقوا } [ آل عمران :120] .
فقه الدعوة
ـ
1ـ الدعوة في سبيل الله اليوم ليست في حاجة إلى الرجال فحسب بقدر ما هي في أمس الحاجة إلى وسائل الدعوة المختلفة والتي تعددت وتطورت . ( من صحيفة ، إلى . . . إلى مجلة ، إلى أشرطة فيدو ، إلى أحاديث تليفزيونية ، إلى مدرسة ومعهد . . . إلى . . . إلى ) .
وينبغي كما يقال : لكل مقام مقالة ، ولكل نزال سلاحه ، بل ورب قول أنفذ من صول.
وإنني لأعجب من مصير الأموال الطائلة التي تنفقها الأيادي الإسلامية السخية في ديار الغرب ، وإن كنت أبتهج بها إذ تكرس مصداقية إيمان أصحابها وإخلاصهم مع الله ـ عز وجل ـ واستجابتهم لقول الحق سبحانه : { وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم } [ الصف :11] ، وعقدهم للصفقة المربحة { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله } [التوبة : 111] ؛ ولذلك عبر عنها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه أروع تعبير حيث قال : " والصدقة برهان " (4) .
ولكن لا يلبث ابتهاجي أن ينقلب إلى حيرة وقلق حين تصرف هذه الأرصدة في زخرفة المساجد ، مساجد لا تؤدى في بعض الأحيان إلا دور التمييز الطائفي والتحيز الجهوي ، ولا يصدق عليها اسم الجوامع في هذه الحال ، أو مراكز علقت في مداخلها أسماء إسلامية ، أو ثقافية ، أو تربوية بلا مسميات إن هي إلا كالتماثيل الجوفاء ، حتى إذا ساقك القدر ورحت تدلف في ساحاتها أبهرتك بأضوائها وقببها ، وأساطينها ، وفرشها وأرائكها ، وتعدد مكاتبها ، وبجمهرة مديريها ، حيث تجد المدير ، ونائبين له . . . والسكرتير العام ونائبه ، وكاتبه العام . . . والخاص ثم المحور أمين المالية . . . وهلم جرا . . . من هذا الغثيان الذي أصيبت به الأمة حيث تسمع جعجعة ولا ترى أثر الطحن مطلقا .
لقد برهن المؤمنون على إيمانهم ، ولكن هؤلاء لم يبرهنوا بإخلاصهم وعلمهم ، وحنكتهم .
وليت هؤلاء العلماء ، والإداريين ، والمخططين . . . و . . .أخذوا العبرة من دعاة كثير من المذاهب الأرضية ، والديانات المحرفة ، وسايروهم في استغلال الأجهزة الحديثة للدعاية لما يعتقدون ، والتبشير بما يؤمنون .
ولنا أخذ الصحيفة والمجلة كمثال أول على ذلك ، حيث أغرقت الشيوعية العالم بالمئات من الصحف وعشرات المجلات التي تبلور فلسفتها وتعرضها بأساليب علمية ، وطرق فنية جذابة .
ولنضرب مثلا بفرنسا كبلد غربي متفتح ـ كما يقال : التي سبق المهاجرون العرب إليها غيرهم ، ويفوقون اليهود في العدد لا في العدة ! فلتجد لي مجلة إسلامية ـ بكل معنى إسلامية ـ تصدرها تلك الجالية ـ بلا تحفظ ـ ثم لتبحث هل تجد مكتبة تخلو من مجلة يهودية أو صحيفة شيوعية ؟
إن فقهاء الدعوة إلى هذه التيارات عملوا بقولة القائد الفرنسي نابليون بونابرت : { ثلاث صحف معادية أكثر بطشا من ألف بندقية ) فهل فقهها فقهاؤنا؟!
2ـ إن الداعية المحنك هو الذي لا يعتمد فقط على استثارة عواطف الجماهير واستلهام مشاعرها ، وإن كان هذا يعد مرحلة هامة في الدعوة الإسلامية ويعتبر صاحبه ناجحا إلى حد كبير في دعوته ، ولكن الإفراط فيه هو الغيب ؛ لأن الإسلام يخاطب القلوب والوجدان كما يخاطب العقول والأذهان ، ولكن دعاة الإسلام اليوم ويا للأسف بين عالم بحلال القرآن وحرامه يقبع في محرابه الساعات الطوال يحدث الناس بأسلوب فكري جامد ، وبألفاظ اصطلاحية مملة ، وطريقة عقيمة ، تراه يخوض في تفاريع دقيقة ، وأقوال متشعبة تعزب عن بعض الخاصة وتعجز عن فهمها بله عمن يحدثهم من العامة . وفريق ثان يعتمد على ألفاظه الرنانة، وعباراته الجذابة ، ومقدرته الفائقة في التصوير ، والتهويل ، والتفخيم ، تدق كلماته القلوب دقا ، ولكنها لا تلبث حتى تمل وتفر ؛ لأنها فتحت أبوابها طويلا فلم يدخل شئ ، فهي كالعسكر الذي يعلن قائده فيه حالة التأهب القصوى ، ويستحثه على القتال والنزال بخطبه الحماسية . . . ولكن دون أن يلقى عدوا . . . ويظل هكذا إلى أن تتلاشى تلك العواطف الجياشة ، ومللها في هذه المرة أخطر بكثير من ذي قبل !!
لأنها لن تستجيب لداع أبدا ، مهما دوت صفارات الإنذار ، وبحت حناجر الدعاة .
ولهؤلاء وأولئك أسوق وسطية أستاذ الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم حيث خاطب العواطف في مطلع حديثه حتى تفتحت نفوس الصحابة إلى ملء الميزان ، وإلى الأنوار والضياء ، ثم قرع العقول بقوله : " والقرآن حجة لك أو عليك " .
تطبيق
ـ
1ـ أصيبت الدعوة الإسلامية بأقوام يتلبسون بها ، ويحشرون أنفسهم في عداد أهلها وهم لها أعداء من حيث لا يشعرون ، يسيؤون لها وهم يريدون الإحسان ، إنهم أدعاء العلم والمعرفة ، نرى السكير العربيد الأمي الفارغ قد تاب منذ عهد قريب ، والتحى وتجلبب ، ثم لا يلبث أن يغتر في نفسه حيث شابه بعمامته وجلبابه عمائم العلماء وجلابيبهم ، أو تدفعه عاطفته ويشحذ عزيمته إخلاصه ـ وكثيرا ما كانت العواطف مرديات ـ فيجلس للتدريس ، وحينها جاز لنا على القواعد النحوية البكاء ، ويقدم للدعوة الإسلامية بمجلسه العزاء ولله در من قال :
إذا أردت أن تدعي فقيه قوم 0 0 فطول الكم ثم عمم
ولا يكاد يحفظ أية أو يفقه حديثا ، وهاهم الصحابة العرب الأقحاح الذين رضعوا الفصاحة والبيان مع ألبان أمهاتهم يحتاطون في الرواية عن رسول الله خوفا من أن يتبوأ أحدهم مقعده في النار ، فهذا الحارث بن عاصم الأشعري يشك في لفظة واحدة فيقول : "تملآن أو تملأ" .
2ـ البعض من حملة كتاب الله اليوم هم حرب عليه يعاكسونه في أحكامه ، ويخالفونه في أوامره ولا يتورعون في إتيانهم نواهيه ، فيسترزقون بتلاوته على الأموات ، وبكتابته في التمائم ، فعملوا على ضياع الأمة بهز أصول عقيدتها وتشكيكها في إيمانها ، فما هم إلا كما وصف الله بعض التوراتيين بقوله : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا } [الجمعة:5].
3ـ إيمان بعض المؤمنين يعوزه الصفاء النفسي والنقاء الروحي مع الله ومع الناس أيضا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الإيمان إلى شطرين وعد الطهارة المعنوية الداخلية النصف الأول ، ومع هذا فإننا نعايش أقواما يصلون بصلاتنا ويصومون بصومنا وألسنتهم معنا ـ أي مع المسلمين ـ تثني وتطري ، وقلوبهم مع أعدائنا علينا يوالونهم لمحاربتنا ويبذلون ما في وسعهم وأكثر لتثبيط الحركة الإسلامية ومحاولة إجهاضها والإجهاز عليها من الداخل .

****

المراجع والهوامش
ـ
1ـ الطهور : ( بفتح الطاء) ما يتطهر به ، وبضمها : بمعنى الطهارة وهو المراد هنا
شطر : شطر الشئ نصفه .
الحمد لله تملأ الميزان : أي أن ثواب حمد الله بأي صيغة ، أو ثواب هذه الصيغة من صيغ الحمد والثناء تملأ الميزان الذي توزن به الأعمال يوم القيامة .
وسبحان الله والحمد لله : أي هاتان العبارتان تملآن ما بين السماء والأرض زيادة على ملء الميزان بالحمد منفردا،والميزان لا شك أوسع من طباق السماء والأرض.
أو تملأ بين السماء :" أو" هذه للشك فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وفائدتها الاحتياط في النقل خوفا من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم .
تملأ : أو هذه العبارة المشتملة على التسبيح والتحميد تملأ.
والصلاة نور : أي الصلاة كالنور في الهداية إلى سبل الخير وإنارة حياة المصلي وتنوير قلبه ، فتصبح معالم الخير واضحة أمامه .
الصدقة برهان : أي القربات المادية دليل قاطع على صدق إيمان المتصدق وإخلاصه مع الله ـ عز وجل .
2ـ تفسير القرطبي 8/67.
3ـ الجامع الصغير.



http://persianhit.ir/index.php?section=redir&zid=4c38abeb79802&affid=8800&kid=0

نظرات شما عزیزان:

نام :
آدرس ایمیل:
وب سایت/بلاگ :
متن پیام:
:) :( ;) :D
;)) :X :? :P
:* =(( :O };-
:B /:) =DD :S
-) :-(( :-| :-))
نظر خصوصی

 کد را وارد نمایید:

 

 

 

عکس شما

آپلود عکس دلخواه: